مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية يقطف باكورة ثماره الورقية

من غير الخافي على أيّ متابع منصف إدراك الخطر الكبير، الذي بات يتهدّد منظومات الثقافة في أي بلد من البلدان، في ظل قبضة مخالب العولمة على مفاصل العالم، وسيطرة من يملكون آلياتها على هذه المفاصل، واضعة هويات الأمم بكلّ ما تزخر به من مكوّنات ثقافية عرضة للذوبان والتلاشي، وبخاصة لغاتها التي تعدّ في أعلى قائمة تحديد الهوية الحضارية لأيّ أمة من الأمم، بما حفّز عددًا من البلدان المهددة بانتهاج وسائل للمقاومة، وطرق للوقوف دون «الموت الثقافي»، و»الفناء الحضاري».

تاريخ النشر : 01 سبتمبر 2013

https://www.al-madina.com/article/250271/%D9%85%D8%AC%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%8A%D9%82%D8%B7%D9%81-%D8%A8%D8%A7%D9%83%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%AB%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B1%D9%82%D9%8A%D8%A9


هذا الوضع يبدو حاضرًا بصورة من صور الحضور البائن والواضح في الساحة العربية، فاللغة العربية أصبحت مهدّدة تهديدًا يرقى لمستوى «الخطر الدّاهم» إزاء الانزياح الكبير الذي باتت تتعرّض له من خارجها وداخلها، الأمر الذي دفع بالعديد من الجهات الغيورة في كلّ أنحاء الوطن العربي إلى عقد المؤتمرات، وتنظيم ورش العمل، واللّجوء إلى كلّ وسائل التحذير من هذه المهددات.. ومن بين هذه الجهود المهمة جاء تكوين «مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية»، بمبادرة من علماء أجلاء، ودعم مشكور من قبل الشيخ مشعل بن سرور الزايدي، وهو مجمع يكتسب أهمّيته القصوى من كونه اتّجه إلى التقنية الحديثة واستغلّها أحسن استغلال، متجاوزًا بذلك الأطر التقليدية المنظورة في المجامع اللغوية في صورتها القديمة، وهي – على ما لها من أهمية – تفتقد إلى حسّ التواصل التقني في عالم بات التعامل فيه مع التكنولوجيا أمرًا مطلوبًا، بل وضروريًّا، وعلى هذا؛ فإنّ هذا المجمع يجعل «اللغة العربية» متحركة باتجاه الناس، وليس في مقاعد الانتظار لهم، كما أنّه يجافي صفة الجمود والسكون إلى الحركة الفوّراة بالتفاعل اليومي، وطرح القضايا اللغوية الآنية والتفاكر فيها ومدارستها على نحو سريع ومتفاعل.. كلّ ذلك يمنح اللغة العربية ديناميكية الحركة في المجتمع، ويجعلها لغة حياة وتواصل وليست لغة عبادة واستعمالات رسمية، كما يعتقد بذلك البعض..

وإن كان إنشاء هذا المجمع بهذه الصورة التفاعلية الرائعة، فإنّ تزامن صدور مجلة ورقية فصلية لهذا المجمع من شأنه أن يكمل دائرة الجهود بين «الفضاء والورق»، وهو ما لم يغفله القائمون على أمر المجمع، إذا استقبلت الساحة باكورة ثمار المجمع منظورًا في مجلة علمية محكّمة، وضعت نصب عينها أن تحقق جملة من الأهداف، تتلخص في سعيها لنشر البحث العلمي في مجالات اللغة العربية بجميع علومها، ونشر قرارات المجمع وتنبيهاته ومقالاته وفتاويه اللغوية، مع جمع ومتابعة قرارات المجامع السابقة، وتوصيات المؤتمرات والندوات العلمية.. مفضلة في سبيل تحقيق هذه الأهداف أن تنشر البحوث التي تخدم اللغة العربية

تيسيرًا وتقريبًا وترغيبًا وتصفية، كما تعني بالبحوث المختصة بدراسة وتصحيح وتعريب وترجمة وشرح الألفاظ والأساليب واللهجات والمصطلحات والتراث المحقق..

في ضوء هذه الأهداف جاء العدد الأول من «مجلة مجمع اللغة العربي على الشبكة العالمية»، التي يرأس تحريرها الدكتور عبدالعزيز بن علي الحربي (رئيس المجمع)، حافلًا بالعدد من الموضوعات المتفرقة، والكلمات المشيدة بهذا الصنيع العلمي الرفيع، ففي «فاتحة المجلة» التي خطّها قلم رئيس تحريرها الدكتور الحربي، أشار في ثناياها إلى استغلال المجمع للشبكة العنكبوتية بوصفه الوسيلة العجلى في عالم اليوم لإيصال أهدافه ومراميه المشار إليها.

كذلك خصص العدد القسم الأول منه «افتتاحيات» لجملة من الكلمات الرصينة لعلماء بارزين، اتفقوا جميعًا على الإشادة بهذه المبادرة الموفقة، معتبرين أنّها جاءت في وقتها، واستثمرت التقنية خير استثمار في سبيل صيانة لغة مقدسة، تتجاوز في أفضليتها كلّ لغات العالم كونها لغة الدين الخاتم الخالد، بما يحتمّ خلودها أيضًا، وهو ما يستوجب أن تكون اللغة موضع الاهتمام، وساحة الدفاع عنها مطلوبة، على هذه الرؤية جاءت الكلمات تباعًا من معالي الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، عضو هيئة كبار العلماء، المستشار بالديوان الملكي، إمام وخطيب المسجد الحرام، تلتها كلمة معالي الشيخ الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، إمام وخطيب المسجد الحرام، الرئيس العام للمسجد الحرام والمسجد النبوي، ثم كلمة الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بودرع، أستاذ اللغة واللسانيات بجامعة المالك السعدي – كلية الآداب في المملكة المغربية، جاورتها كلمة الأستاذ الدكتور سليمان بن إبراهيم العايد، عضو المجمع، وعضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى، وكلمة الأستاذ الدكتور أحمد مطلوب، رئيس المجمع العلمي – بغداد، فيما كتب الأستاذ الدكتور عبدالرزاق الصاعدي عميد كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنور الكلمة قبل الأخيرة، لتختتم الكلمات بكلمة الأستاذ الدكتور رياض الخوّام، أستاذ النحو بجامعة أم القرى.

القسم الثاني من العدد أفردته هيئة التحرير لإيراد بعض «القرارات والتنبيهات» في سياق رد أعضاء المجمع على ما وردها من أسئلة لغوية، تمّ فيها بيان وجهها الصحيح على النحو الوارد في هذا القسم، مع إيراد تنبهين يتعلق أولهما بأغلاط شائعة في مخارج بعض الحروف، وتصحيح نطق لفظ «مِنْ ثَمَّ» بدلًا عن النطق السائد لدى عدد كبير «مِنْ ثُمَّ».

القسم الثالث نُصّف إلى جزءين؛ ضمّ الأول منهما عددًا من البحوث شارك في كتابتها الدكتور عباس السوسوة ببحث عن «الترجمة العربية لمتن التلمود»، ثم بحث من قسم البحث العلمي بالمجمع حول «طريقة نطق العلم المختوم بـ(ويه)»، وكتب الدكتور عبدالرحمن السليمان عن «تفكيك مصطلح العلمانية»، وكتب الدكتور علي

سيد أحمد جعفر بحثًا بعنوان «تضجّع قيس»، وآخر البحوث تكفّل به الدكتور حسين علي الزراعي بعنوان «تداخل الجهة والزمن والحدث».. أما الجزء الثاني من هذا القسم فاشتمل على ستة مقالات ابتدرها الدكتور عبدالله عويقل السلمي رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي الثقافي بجدة بمقالٍ تحت عنوان «رفقًا بالأندية الأدبية»، ثم كتب الدكتور عبدالله الأنصاري عن «التحليل النحوي الحاسوبي»، تلاه الدكتور خالد الجريان بمقال من ثلاثة أجزاء تحت عنوان «وداعًا شيخ المحققين»، متناولًا فيه سيرة وجهود المحقق اللغوي والأدبي الدكتور حاتم الضامن، الذي وافته المنية يوم الخميس الرابع من ربيع الآخر 1434هـ الموافق 14 فبراير 2013م، أما آخر المقالات فكتبه الدكتور محمد جمال صقر حول «تمكين القارئ من النص المخطوط».

وفي سياق تفاعلي أيضًا أفرد العدد قسمه الرابع والأخير للتواصل مع جمهور القرّاء في قسم حمل عنوان «أنت تسأل.. والمجمع يجيب» تضمن الإجابة على (14) سؤال وردت على المجمع، وقام بالرد عليها أعضاء المجمع بصورة منفردة على نحو علمي ومبسّط.

بهذه النظرة الإجمالية لمحتوى العدد الأول من «مجلة مجمع اللغة العربي على الشبكة العالمية» نستطيع القول إن الساحة اللغوية قد كسبت عنصرًا مهمًا من عناصر الذود عنها، ونافذة مهمة من نوافذ بثّ إشعاعها وإشراقها، بطريقة حديثة وعصرية، أخذت بكل أسباب النجاح على مستوى التقنية، فضلًا عن مستوى كادرها البشري المؤهل إذ يتولى الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن حسن العارف منصب نائب رئيس هذه المجلة، ويتولى الأستاذ الدكتور سعد حمدان الغامدي منصب مدير التحرير، بجانب هيئة تحرير مؤلفة من: الأستاذ الدكتور علي سيد أحمد جعفر، والأستاذ الدكتور محمد جمال صقر، والدكتور خالد بن قاسم الجريّان، والدكتور مرضي بن غرم الله الزهراني.

Related posts

Leave a Comment